الحماصة: ” التطاوينية في تونس العاصمة مهنة يتوارثها الأجيال رغم الصعاب
جمال الدين العزلوك
مهنة قلي وبيع الفواكه الجافة والتبغ هي حرفة تتوارثها الأجيال من أبناء ولاية تطاوين منذ الستينات مع بدايات هجرة أولاد تطاوين والجنوب عموما نحو الشمال :نابل وبنزرت وزغوان وخصوصا تونس العاصمة لأنها مركز الثقل الديمغرافي ومركز المال والأعمال والبنوك.وتتركز دكاكين الحمص في الأسواق بجانب المقاهي والمدارس والكليات والمصانع وفي الأماكن التي تشهد كثافة سكانية كحي التضامن والمنازه والمروجات…
ومنذ ستينات و سبعينات القرن الماضي بعد الاستقلال وغياب سبل العيش في تطاوين والفاقة هاجر العديد من الأجداد والآباء نحو فرنسا ونحو العاصمة من مناطق معتمديتي غمراسن (الغمراسنية ) والبئر الأحمر (العبابسة والمرابطينية والتلالتية والقرى والدشر المجاورة ) والتحقت بهذه الأفواج جموع من معتمديتي الزهرة (كانت تسمى الخربة سابقا ويسكنها الكراشوة ) وبني مهيرة (الزرڨان).كما لا ننسى حماصة عمادة كرشاو التابعة للصمار.بينما فضل أبناء عروش العمارنة (المرة والرهاش والصمار ووسط تطاوين) والحميدية (خاتمة) والربايع الاستثمار في التجارة في تطاوين وتجارة الماشية والمرعى مع الليبيين والفلاحة والتجارة بشكل عام.في حين يمتهن متساكني معتمديتي الرمادة والذهيبة(الربايع والشهيدات والذهيبات )التجارة البينية (الكنطرة) مع القطر الليبي.وأما بقية العروش كالجليدات فمعظمهم واصلوا التعليم (خاصة أولاد حامد). لذلك نجد الكثير منهم في الإدارات الجهوية بتطاوين والوزارات في العاصمة والبنوك ومراكز البريد ويسكنون أساسا في ضاحية الرڨبة وقرية بني بلال المجاورة لمعتمدية الزهرة.ولهم مزار الولي الصالح عبد الله بوجليدة في الرڨبة وسيدي السايح قرب بني بلال.في حين خير بقية السكان الهجرة نحو فرنسا كبلد ثري وذو مال وفير وهو ما ساهم في تحسين البنية التحتية في تطاوين حيث نجد بنايات شاهقة بآلاف الملايين أصحابها عمال بفرنسا ومن بينهم أصحاب مخابز هناك.
وبالعودة إلى تجارة التبغ والحمص بعد التوسع في تحليل تركيبة النسيج الاجتماعي والاقتصادي في تطاوين٬ فإنها لا تزال إلى اليوم مهنة العديد من التطاوينية٬ لأنها لا تتطلب مستويات تعليمية أو شهائد تكوين مهني أو دبلوم معين وذات دخل مالي مهم.يكفي رأس مال ومعدات تتمثل في مقلاة وفرن وقارورة غاز ورفوف لوضع السلع وآلة تسخين الفواكه الجافة وثلاجات لتبريد الماء والمشروبات والياغورت والبحث عن محل في مكان مناسب.
1/ كيف يتقن التطاويني تجارة الحمص؟
بعد الانقطاع الدراسي ورحلة البحث عن العمل يتدرب الحماص الشاب منذ سن السادسة عشرة سنة أو اكثر بقليل تجارة الحمص (الحماص). والبداية بقلي اللوز وبذور عباد الشمس (الڨلوب) والكاكاوية والحمص (المالح والحلو) ومعرفة كميات الملح ومقدار النار في الفرن وخفة اليدين والتمييز بين روائح المقلاة لكي لا تحترق البقول التي تمثل الدخل الأساسي للمحل وإذا احترقت فهي خسارة لرأس المال.
وبعد تعلم القلي يتجه إلى معرفة جميع أسعار السلع والموزعين وعناوينهم وأرقامهم للاتصال بهم (تبغ بجميع انواعه ومشروبات بطاقات شحن هواتف وبسكويت ومشتقات الحليب…).بعد ذلك يتعلم كيفية التعامل مع الحرفاء والتمييز بين الأوراق والقطع النقدية المزيفة والأصلية …الآن يستطيع صاحب المحل العودة إلى تطاوين والاهتمام بأشغاله وعائلته وترك الشاب في المحل. وبالتالي فقد تعلم الشاب التطاويني القلي ثم عرف الأسعار وكيفية التعامل مع الحرفاء ليلا أو نهارا وكيفية التدخل في حال نشوب صراع مع سكير أو عربيد زنديق دون مساعدة صاحب الدكان.وأغلب الحماصة لديهم ما يسمى ب”الزلاط”٬ أو العصى الغليظة للدفاع عن النفس ضد كل هجوم…وبعد أن يتقن العمل ويجمع المال إما يفكر في فتح دكان حمص أو يعود إلى تطاوين للزواج أوامتهان التهريب أو يهاجر سرا عبر زورق من سواحل جرجيس أو ليبيا أو أي مكان…والأوفر حظا وبمساعدة عائلية يشتري عقد عمل نحو فرنسا أو إيطاليا(حاليا العقد تجاوز 30 ألف دينار ) ويذهب إلى هذا البلد ليشتغل في مخابز عاصمة الأنوار باريس.ويستقر هناك.
2/ ماهي مصاعب مهنة الحمص وأهم التحديات؟
أهم التحديات في الوقت الراهن تتمثل أساسا في غياب العديد من السلع كالمشروبات الغازية ونقص في توزيع السجائر (ليجار وانتار ).مع ارتفاع أسعار السجائر وتذبذب الأسعار بين نقاط البيع وإقبال التونسيين على استهلاك تبغ السجائر المهرب والسلع المهربة من ليبيا والجزائر (نيرو واوريس سليمز ايدج …)نظرا لرخص هذا النوع٬ فالعلبة لا تتجاوز ثلاثة دنانير مقارنة بالسجائر محلية الصنع.
3/تدهور للقدرة الشرائية وغياب الأمن:
المشاكل الأخرى تتمثل في تدهور المقدرة الشرائية للمواطن التونسي بعد الثورة وكثرة المتسكعين وانتشار اللصوصية بسبب البطالة والسطو على المحلات ليلا في بعض المناطق حسب ما يقال وما يذاع. بالإضافة إلى قلة اليد العاملة المختصة وارتفاع أسعار البقول الجافة والأصل التجاري ومعاليم الكراء وفواتير الماء والكهرباء والانترنت وجرايات العمال.لذلك قرر الكثيرين النوم داخل محلاتهم لتوفير مال الكراء وطهي الوجبات والضغط على المصاريف اليومية.وعادة يكون المحل مجهز بدورة صحية وحمام وكاميرا مراقبة.وأقل جراية لعامل حمص متربص حوالي 600 دينار.وبالتالي كثرة للنفقات وتراجع حاد في المداخيل مع المراقبة المستمرة لأعوان المراقبة الاقتصادية وتفتيش المحلات بحثا عن سلع مهربة أو تدقيقا في أسعار السجائر بشكل استثنائي وقد يكون عرضة للخطايا بسبب تجاوز السعر القانوني.لذلك قرر الكثيرين غلق دكاكين البقول الجافة للهجرة أو الاستثمار في مشاريع أخرى أكثر ربحا وأقل إنفاقا في ظل أزمات عديدة كالمنافسة من قبل الفضاءات التجارية الكبرى والعربات المتنقلة على الطرق وداخل الأسواق.وبالتالي هي مهنة تتوارثها أجيال ولاية تطاوين رغم الصعاب.لأنه لا بديل عنها في ظل غياب مواطن الشغل في الجهة.