جمال الدين العزلوك
في المقاهي الشعبية في المدن والواحات والقرى التونسية كثيرا ما تسمع حوارات ونقاشات بين الكهول والشباب عن موضوع الهجرة السرية أو هجرة الطموح والتحدي المحفوفة بالمخاطر لكنها تحمل في طياتها أحلام الشباب والفقراء والمهمشين من أبناء هذا البلد الذي يرزح السواد الاعظم من ابنائه تحت خطوط الفقر والبؤس والتهميش والضياع والحرمان.
صاحب المقهى :عندي 4 صناع حرقوا والخدام في تونس اصبح كالعصفور النادر مش متوفر .معادش تلقى خدام يصبر معاك 5 شهور
صانع الشيشة ضاحكا :احسن ما عملو البلاد معادش فيها شي يعجب واصحابي كلهم حرقو ويخدمو وجوهم باهي وانا بقيت قطوس في قفص محبوس…
الموظف البائس وهو يعمر قصاصة برومسبور: محسوب أتو اجيبو الصيد من وذنيه …جيبلي قلم فمش ما نشدها الجمعة هاذي …الطرح لبيه الفايدة الجمعة لفاتت خرج طاولة وانا عملتو دوس لبرشلونة وما شدها كن واحد من تونس الكبرى كالعادة والعوايد…
صانع الشيشة:انا صانع شيشة نخدم 12 ساعة يوميا بلاش راحة اسبوعية وناخو 20 دينارا في النهار كيفاش تقنعني نقعد في تونس؟و20 دينار اشنوة تعملي لا انجم نبني داري لا انجم انعرس ولا انجم نشري كرهبة …باكو الليجار ب 6800 صاحبي يعني شطر 20 دينار
صانع الشيشة:فليس مع فليس يساوي كديس وارض بالقليل اجيك الكثير والقناعة باب الرزق انا كيفك كنت فقير ورزقني ربي الكريم…
الموظف:شفت فيديو على الفيسبوك حراقة راقدين تحت الحيوط والقناطر ويجري عليهم الحاكم في فرانسا ميتين بالشر تي مظاهرات في ايطاليا احبو يطردو الحراقة .افهم يا وليدي اوروبا معادش فيها شي والقيصر الروسي كلى الاخضر واليابس تي هددهم بالنووي وربي يستر من حرب عالمية ثالثة…
صانع الشيشة:انتم الكهول والشياب عديتو عماركم في تونس وعاجبكم الوضع وما نعرفوش علاش انكم ضد الحرقة تي كن تلقو فزعة بلاش تڨطعو .الحرقة بالنسبة ليا حل بش نبني مستقبلي وما تنجمش تقنعني نعيش في تونس نعيشو في نفس الواقع و صاحبي خليل قال لا تفكر اجمع المال من تونس وهاجر .
صاحب المقهى غاضبا من ثرثرة العامل:الحوت شبع في لحم البشر يوميا البابورات تاع الحرقة يتقلبو فيهم ليمنع فيهم لياكلو الحوت وفيهم لما يلقو منو شي لا ساق لا خشم …
الموظف:وبعد ما ولدهم اموت وياكلو الحوت والديه الومو على الدولة التونسية. الدولة ما عطاتوش الفلوس تاع الحرقة وما قاتلوش امش احرق في بابور حوت في حالة يرثى لها.
صانع الشيشة:واشنوة الحل ؟ كالدولة ضد الحرقة تعطينا فيزا وياكلني القرش ولا نعيش مع وجوه المرش
صاحب المقهى:فك عليك من الحكايات الفارغة والفيزا تعطيها السفارات الاجنبية مش تونس واخدم على روحك. وما تاكل كن اش كتبلك ربي ما هازين معانا شي الدنيا فانية. وعيش بللي كتبو ربي تعيش في خير ونعمة. والعين ما يملاها كن التراب.
بعد ذلك غضب صانع الشيشة وصاح بأعلى صوته مغنيا :يا مولى البابور شوفلي بابور في بلادي راني محڨور “…
وطلب الصانع من صاحب المقهى اجرة يومه واكد انه لن يعود مجددا الى المقهى لانه يريد الهجرة .بينما غادر الموظف الى بيته.واما صاحب المقهى فظل يفكر في حل مشكلة هجرة العمال فهذا العامل الخامس الذي لا يقضي اكثر من شهرين …وجلس يفكر وهو يدخن شيشة تفاح هل ابحث عن عامل آخر؟هل أغلق المقهى وافكر في افتتاح مشروع آخر ؟ هل نبدل القلم ؟ …ثم اتصل هاتفيا بصديقه وقال له ابحث لي عن شخص يريد شراء مقهى مجهزة ولا يهم السعر وابحث لي عن حرقة اريد الهجرة من تونس فالاوضاع لا تبشر بخير في تونس.ثم اغلق ابواب المقهى غاضبا وعاد الى بيته.